على الرغم من انّ هذا التأرجّح السلبي لا يبشّر استمراره بإمكان فتح الافق الحكومي، الا انّ الوسطاء مصرّون على حفر جبل التعقيدات الماثلة في طريق تأليف الحكومة ولو بإبرة، وعلى ما يقول احد الوسطاء لـ«الجمهورية» فإن المفاجآت واردة في اي لحظة، واحتمال التأليف قائم في غضون ايام قليلة، خصوصا انّ عامل الوقت، على مسافة 18 يوما من انتهاء ولاية ​الرئيس ميشال عون​، بات ضاغطا على الجميع، والجميع كما يؤكدون بكل صراحة انهم يتهيّبون سقوط البلد في المحظور. ومن هنا فإنّ كل الاطراف المعنية بتأليف الحكومة امام واحد من خيارين؛ امّا النزول عن اشجار الشروط الى الواقعية والتوافق على حكومة سريعا، واما الاستعداد اعتبارا من أوّل تشرين الثاني المقبل، لمرحلة يتأرجح فيها البلد في مهبّ اشتباكات سياسية ودستورية يخشى ان تؤسّس لإرباكات مفتوحة وشديدة الصعوبة وتداعيات غير محمودة على كل المستويات.

وفي انتظار ما ستُسفر عنه جهود الوسطاء وسعيهم الى تحقيق انفراج حكومي ضمن سقف زمني لا يتجاوز اياماً قليلة، يحتوي الازمة المنتظرة قبل السقوط في الفراغين الحكومي والرئاسي في آن معاً، يشهد المجلس النيابي اليوم واحدة من حلقات المسلسل الرئاسي العقيم، مع الجلسة الانتخابية التي حددها رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ اليوم الخميس لانتخاب رئيس الجمهورية، والتي باتت مؤكدة مقاطعتها من قبل تكتل لبنان القوي، والتي لن تأتي بأكثر من عرض مكرر لجلسة 29 ايلول والفشل في انتخاب رئيس، وسباق بين النائب المرشح ​ميشال معوض​ المؤيد من تكتل الجمهورية القوية واللقاء الديموقراطي، وبين الورقة البيضاء التي يقودها الثنائي ثنائي حركة امل و«حزب الله» مع حلفائهما. فيما يغرّد نواب التغيير نحو اسم من بين ناصيف حتي و​زياد بارود​ و​صلاح حنين​، ويتجه نواب الاعتدال نحو التصويت مجدداً للبنان.

على انّ الانسداد الداخلي في ما خص الاستحقاق الرئاسي، وفي ظل الافتراق الكلي بين المكونات الداخلية وابتعادها، حتى الآن، عن مسار التوافق الذي يفضي الى تمرير هذا الاستحقاق بما ينتج رئيساً بإجماع او شبه اجماع عليه، لا يبدو انه سيشهد انفراجاً في المدى المنظور، خصوصاً انّ مكونات الداخل باتت مسلّمة سلفاً بالفراغ في سدة الرئاسة، وانها جميعها باتت تتحضّر للتعايش مع هذا الفراغ، ولفترة غير محددة، في انتظار نضوج الظروف الموضوعية بل والدافعة الى انتخاب رئيس جديد.

واذا كانت كل طرق الاستحقاق الرئاسي مقفلة داخلياً، فإنّ ذلك يوجّه البوصلة الرئاسية تلقائياً نحو الخارج، وترقّب مبادرة ما، تدفع الى إتمام هذا الاستحقاق في المدى المنظور. الّا ان افق المبادرات التي من شأنها ان تجنّب لبنان السقوط في فراغ رئاسي مديد، لا يبدو مفتوحاً حالياً على اكثر من توجيه دعوات تقليدية، خصوصا من قبل الفرنسيين والاميركيين، الى اللبنانيين لإجراء ​الانتخابات الرئاسية​ في موعدها الدستوري.

وعلى ما ينقل ديبلوماسيون فإنّ الصورة الخارجيّة لا تعكس استعجالا او توجها نحو اية مبادرات مرتبطة بالملف الرئاسي اللبناني. وتؤكد ذلك معطيات توفّرت لمراجع مسؤولة، وتؤكد ان لا اولوية على الاطلاق للاميركيين والفرنسيين في هذه المرحلة تتقدم على اولوية الملف الاوكراني وتداعياته على المجتمع الدولي. وتبعا لذلك، فإن الملف اللبناني، في شقه الرئاسي، يتموضَع، وحتى اشعار آخر، على خط التمني الاميركي والفرنسي على اللبنانيين التوافق على انتخاب رئيس.

لبنان رئاسياً ليس مُدرجاً في أجندة أولويات الإدارة الأميركية

في هذا الاطار، وقفت «الجمهورية» على خلاصة للموقف الاميركي من ملف الرئاسة في لبنان، من شخصية سياسية عادت مؤخراً من زيارة الى الولايات المتحدة الاميركية، وكانت لها سلسلة لقاءات على مستويات مختلفة في الادارة الاميركية، عكست، كما تقول تلك الشخصية ان لبنان رئاسياً ليس مُدرجاً في اجندة اولويات الادارة الاميركية، وقد لا يدرج قريبا، لأن العناية الاميركية مركزة على الحرب في اوكرانيا التي حصرت الاهتمام الاميركي بها وحدها، من دون اكتراث بأي من الملفات الاخرى الدولية والاقليمية، ما خلا ملف ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل باعتباره باباً لاحتواء تداعيات تلك الحرب على حلفاء واشنطن، وتعويض امدادات اوروبا من الغاز».

وبحسب تلك الشخصية، فإنّ على اللبنانيين الّا يتوقعوا في هذه المرحلة التدخل المباشر في الاستحقاق الرئاسي، حيث ان اكثر ما هو منتظر من الادارة الاميركية حالياً هو بيانات تقليدية تستعجل فيها اللبنانيين إجراء الانتخابات الرئاسية.

وعلى ما تنقل تلك الشخصية، فإنّ الاميركيين يُشعرون محدّثيهم في هذه الفترة بأنهم على الحياد، وانهم مع انتخابات رئاسية من صنع لبناني حيث يتفق اللبنانيون فيما بينهم على انتخاب رئيسهم. ويتجنب الاميركيون طرح اي اسم مفضّل لديهم لرئاسة الجمهورية، كما لا يضعون أي «فيتو» على اي اسم من الاسماء المتداولة».

وتنقل الشخصية المذكورة شخصية اعلامية اميركية وصفتها بالمرموقة والقريبة من مركز القرار الاميركي قولها ما حرفيته: «أولوية ادارة الرئيس جو بايدن هي ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، الذي يخرج المنطقة من كونها منطقة متفجرة، الى منطقة استقرار وهدوء، حيث انه يرفع عنها خطر الانفجار والتصعيد، وفي ذلك فائدة امنية واقتصادية للبنان واسرائيل. كما ان لها اولوية الحفاظ على استقرار لبنان ولن تسمح بانهياره او ترك احد يعبث به، ولذلك رهانها الدائم على الجيش والقوات المسلحة الرسمية وستوفّر الداعم اللازم وكل متطلبات حماية لبنان».

أما فيما خص انتخابات الرئاسة في لبنان، فينقل عن الشخصية الاعلامية الاميركية قولها: الادارة الاميركية تتابع الوضع في لبنان، وتعرف ماذا يحصل فيه، واي رئيس جديد للبنان لن يأتي بمعزل عن واشنطن، فللولايات المتحدة رأيها في هذا الرئيس، ولها كلمتها في الانتخابات الرئاسية، لكنها لم تقلها بعد، او بالاحرى لم يحن الاوان لكي تقولها».

جلسة اليوم ستنتهي من دون انتخاب رئيس

​​​​​​​يأتي انعقاد الجلسة النيابية الثانية المقرّرة اليوم لانتخاب رئيس للجمهورية في سياق رفع العتب؛ هذا في حال تأمّن لانعقادها حضور أكثرية ثلثي أعضاء البرلمان، ويتوقّف مصيرها على مشاركة النواب المنتمين إلى كتلة «الوفاء للمقاومة»، في الجلسة في حال أحجموا عن التضامن مع حليفهم «التيار الوطني الحر» الذي أعلن مقاطعته لها بالتوافق مع نواب حزب «الطاشناق» احتجاجاً على انعقادها في 13 تشرين الأول الذي يصادف الذكرى الثانية والثلاثين لإخراج العماد ميشال عون من القصر الجمهوري في بعبدا ولجوئه إلى مقر السفارة الفرنسية؛ ومنها إلى منفاه الباريسي.​​​​​

فانعقاد الجلسة النيابية في موعدها اليوم يتراوح بين هبّة باردة وأخرى ساخنة بغياب النواب الأعضاء في تكتل «لبنان القوي» البالغ عددهم 21 نائباً، و3 نواب من تكتل «قوى التغيير»؛ وضّاح الصادق وفراس حمدان لوجودهما خارج البلاد، وسينتيا زرازير التي تخضع للعلاج في المستشفى بعد العملية الجراحية التي أُجريت لها، من دون استبعاد إمكان تضامن «حزب الله» مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل واحتمال انضمام بعض النواب الذي يدورون في فلكه إلى ملاقاته في قراره.

ومع أن أمانة السر في المجلس النيابي لم تتبلّغ حتى عصر أمس بتقدّم أي نائب باعتذار من عدم حضور الجلسة، فإن حضور «حزب الله» يتقرر قبيل انعقادها، ومقاطعتها ستؤدي إلى إحراجه مع حليفه الاستراتيجي رئيس المجلس النيابي نبيه بري، رغم أن الجلسة لن تُحدِث مفاجأة من شأنها أن تبدّل من واقع الحال السياسية التي انتهت إليها سابقتها بتعذّر انتخاب الرئيس بذريعة أن الظروف ليست ناضجة لانتخابه، إلا إذا ضمن «حزب الله» أن مقاطعته الجلسة لن تؤدي للإخلال بعلاقته بحركة «أمل».

ولا شيء يحول دون أن يتمدّد المشهد السياسي إلى الأيام العشرة الأخيرة من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون التي تُبقي على البرلمان في حال انعقاد دائم إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية، مما يفتح الباب أمام دخول لبنان في شغور رئاسي، وليس في مقدور الكتل النيابية التكهُّن منذ الآن بتحديد الموعد الزمني لإنجاز الاستحقاق الرئاسي؛ لأن ترحيله سيقود إلى إعادة خلط الأوراق بانضمام مرشحين جدد إلى زملائهم الحاليين وعلى رأسهم قائد الجيش العماد جوزاف عون.

أما في حال انعقاد الجلسة، فإنها تأتي تمديداً لسابقتها ولن تُحدث خرقاً يمكن التأسيس عليه؛ بما يسمح بإعادة خلط الأوراق ترشُّحاً على الأقل في المدى المنظور وخلال المهلة المتبقية من ولاية الرئيس عون، ما دامت موازين القوى داخل البرلمان لم تتبدّل ومحكومة بلعبة توازن يمنع أي فريق من التحكُّم في المسار العام للعملية الانتخابية.

لذلك؛ فإن الجلسة ستشهد مبارزة بين الفريق الداعم لترشُّح النائب ميشال رينيه معوّض، والفريق الآخر المؤيد للاقتراع بالورقة البيضاء، مع احتمال التساوي بينهما في عدد أوراق المقترعين بغياب تكتّل «لبنان القوي» الذي كان اقترع بورقة بيضاء.